51313343512557297292729729434355343

رجال حول الرسول ..« مصعب بن عمير »

 رجال حول الرسول ..

« مصعب بن عمير »
 رجال حول الرسول ..« مصعب بن عمير »

أول سفراء الاسلام
وكان لقبه بين المسلمين « مصعب الخير » ..

هذا رجل من أصحاب محمد ،
غرّة فتيان قريش ، وأوفاهم جمال وشبابا ..
" كان أعطر أهل مكة" ..
ولد في النعمة وغذيّ بها ، وشبّ تحت خمائلها .
ولعله لم يكن بين فتيان مكة من ظفر بتدليل أبويه بمثل ما ظفر به "مصعب بن عمير" ..
ذلك الفتى الريّان ، المدلل المنعّم ، أيمكن أن يتحوّل الى أسطورة من أساطير الايمان والفداء ..؟

لقد سمع الفتى ذات يوم ، ما بدأ أهل مكة يسمعونه من محمد الأمين صلى الله عليه وسلم ..
"محمد" الذي يقول أن الله أرسله بشيرا ونذيرا . وداعيا الى عبادة الله الواحد الأحد .

وحين كانت مكة تمسي وتصبح ولا همّ لها ، الا الرسول عليه الصلاة والسلام ودينه ، كان فتى قريش المدلل أكثر الناس استماعا لهذا الحديث .
ذلك أنه كان على الرغم من حداثة سنه ، زينة المجالس والندوات ، تحرص كل ندوة أن يكون مصعب بين شهودها ، ذلك أن أناقة مظهره ورجاحة عقله كانتا من خصال "ابن عمير التي تفتح له القلوب والأبواب ..

ولقد سمع أن الرسول ومن آمن معه ، يجتمعون بعيدا عن فضول قريش وأذاها .. هناك على الصفا في درا "الأرقم بن أبي الأرقم" فلم يطل به التردد ، ولا التلبث والانتظار ، بل صحب نفسه ذات مساء الى دار الأرقم تسبقه أشواقه ورؤاه ...
هناك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلتقي بأصحابه فيتلو عليهم القرآن ، ويصلي معهم لله العليّ القدير .

ولم يكد مصعب يأخذ مكانه, وتنساب الآيات من قلب الرسول متألفة على شفتيه ، ثم آخذة طريقها الى الأسماع والأفئدة ، حتى كان فؤاد ابن عمير في تلك الأمسية هو الفؤاد الموعود ..!
ولقد كادت الغبطة تخلعه من مكانه ، وكأنه من الفرحة الغامرة يطير .
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بسط يمينه الحانية حتى لامست الصدر المتوهج ، والفؤاد المتوثب ، فكانت السكينة العميقة عمق المحيط ..
 وفي لمح البصر كان الفتى الذي آمن وأسلم يبدو ومعه من الحكمة ما يفوق ضعف سنّه وعمره ، ومعه من التصميم ما يغيّر سير الزمان ..!!!

**

كانت أم مصعب "خنّاس بنت مالك" تتمتع بقوة فذة في شخصيتها ، وكانت تهاب الى حد الرهبة ..
ولم يكن مصعب حين أسلم ليحاذر أو يخاف على ظهر الأرض قوة سوى امه ..
أما خصومة أمه ، فهذا هو الهول الذي لا يطاق ..!
ولقد فكر سريعا ، وقرر أن يكتم اسلامه حتى يقضي الله أمرا.
وظل يتردد على دار الأرقم ، ويجلس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو قرير العين بايمانه ، وبتفاديه غضب أمه التي لا تعلم خبر اسلامه خبرا ..

ولكن مكة في تلك الأيام بالذات ، لا يخفى فيها سر ،
ولقد أبصر به "عثمان بن طلحة" وهو يدخل خفية الى دار الأرقم .. ثم رآه مرة أخرى وهو يصلي كصلاة محمد صلى الله عليه وسلم ، فسابق ريح الصحراء وزوابعها ، شاخصا الى أم مصعب ، حيث ألقى عليها النبأ الذي طار بصوابها ...

ووقف مصعب أمام أمه وعشيرته مجتمعين حوله يتلو عليهم في يقين الحق وثباته القرآن الذي يغسل به الرسول قلوبهم ..
وهمّت أمه أن تسكته بلطمة قاسية ، ولكن اليد التي امتدت كالسهم ، ما لبثت أن استرخت وتنحّت أمام النور الذي زاد وسامة وجهه وبهاءه جلالا يفرض الاحترام ، وهدوءا يفرض الاقناع ..
ولكن ، اذا كانت أمه تحت ضغط أمومتها ستعفيه من الضرب والأذى ، ولكنها مضت به الى ركن قصي من أركان دارها ، وحبسته فيه ، حتى خرج بعض المؤمنين مهاجرين الى أرض الحبشة ، فاحتال لنفسه حين سمع النبأ ، وغافل أمه وحراسه ، ومضى الى الحبشة مهاجرا أوّابا ..


سواء كان مصعب بالحبشة أم في مكة ، فان تجربة ايمانه تمارس تفوّقها في كل مكان وزمان ، ولقد فرغ من إعادة صياغة حياته ، واطمأن مصعب الى أن حياته قد صارت جديرة بأن تقدّم قربانا لبارئها الأعلى ، وخالقها العظيم ..

خرج يوما على بعض المسلمين وهم جلوس حول رسول الله ، فما ان بصروا به حتى حنوا رؤوسهم وغضوا أبصارهم وذرفت بعض عيونهم دمعا شجيّا ..
ذلك أنهم رأوه .. يرتدي جلبابا مرقعا باليا ، وعاودتهم صورته الأولى قبل اسلامه ، حين كانت ثيابه كزهور الحديقة النضرة ، ألقا وعطرا ..
وتملى رسول الله مشهده بنظرات حكيمة ، شاكرة محبة ، وتألقت على شفتيه ابتسامته الجليلة ، وقال :
" لقد رأيت مصعبا هذا ، وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه ، ثم ترك ذلك كله حبا لله ورسوله".!!

لقد منعته أمه حين يئست من ردّته كل ما كانت تفيض عليه من نعمة .. وأبت أن يأكل طعامها انسان هجر الآلهة وحاقت به لعنتها ، حتى ولو يكون هذا الانسان ابنها ..!!
ولقد كان آخر عهدها به حين حاولت حبسه مرّة أخرى بعد رجوعه من الحبشة . فآلى على نفسه لئن هي فعلت ليقتلن كل من تستعين به على حبسه ..
وانها لتعلم صدق عزمه اذا همّ وعزم ، فودعته باكية ، وودعها باكيا ..
وكشفت لحظة الوداع عن اصرار عجيب على الكفر من جانب الأم واصرار أكبر على الايمان من جانب الابن .. فحين قالت له وهي تخرجه من بيتها : اذهب لشأنك ، لم أعد لك أمّا . اقترب منها وقال :"يا أمّه اني لك ناصح ، وعليك شفوق ، فاشهدي بأنه لا اله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله"...
أجابته غاضبة مهتاجة :" قسما بالثواقب ، لا أدخل في دينك ، فيزرى برأيي ، ويضعف عقلي"..!!
وخرج مصعب من النعمة الوارفة التي كان يعيش فيها مؤثرا الشظف والفاقة ..
وأصبح الفتى المتأنق المعطّر لا يُرى الا مرتديا أخشن الثياب ، يأكل يوما و يجوع أياما ، و ولكن روحه المتألقة بنور الله ، كانت قد جعلت منه انسانا آخر يملأ الأعين جلال والأنفس روعة ...

ذات يوم فاجأه  "أسيد بن خضير" شاهرا حربته و يتوهج غضبا على هذا الذي جاء يفتن قومه عن دينهم ...
وما ان رأى المسلمون مقدم أسيد ابن حضير متوشحا غضبه ، حتى وجلوا .. ولكن مصعب الخير ظل ثابتا وديعا متهللا ..
وقف اسيد أمامه مهتاجا ، وقال يخاطبه هو وأسعد بن زرارة :
"ما جاء بكما الى حيّنا ، تسهفان ضعفاءنا ..؟ اعتزلانا ، اذا كنتما لا تريدان الخروج من الحياة"..!!
وفي مثل هدوء البحر وقوته ..
وفي مثل تهلل ضوء الفجر و وداعته .. انفرجت أسارير مصعب الخير وتحرّك بالحديث الطيب لسانه فقال :
"أولا تجلس فتستمع ..؟! فان رضيت أمرنا قبلته .. وان كرهته كففنا عنك ما تكره" .
الله أكبر . ما أروعها من بداية سيسعد بها الختام ..!!
هنالك أجابه أسيد قائلا : أنصفت .. وألقى حربته الى الأرض وجلس يصغي ..
ولم يكد مصعب يقرأ القرآن ، ويفسر الدعوة ، حتى أخذت أسارير أسيد تبرق وتشرق .. وتتغير مع مواقع الكلم ، وتكتسي بجماله ..!!
ولم يكد مصعب يفرغ من حديثه حتى هتف به أسيد بن حضير وبمن معه قائلا :
"ما أحسن هذا القول وأصدقه .. كيف يصنع من يريد أن يدخل في هذا الدين"..؟؟
وأجابوه بتهليلة رجّت الأرض رجّا ، ثم قال له مصعب :
"يطهر ثوبه وبدنه ، ويشهد أن لا اله الا الله" .
فغاب أسيد عنهم غير قليل ثم عاد يقطر الماء الطهور من شعر رأسه ، ووقف يعلن أن لا اله الا الله و أن محمدا رسول الله ..
 ..
وتمضي الأيام والأعوام ، ويهاجر الرسول وصحبه الى المدينة ، وجاءت غزوة أُحد .. ويعبئ المسلمون أنفسهم ، ويقف الرسول صلى الله عليه وسلم وسط
 يتفرّس الوجوه المؤمنة ليختار من بينها من يحمل الراية .. ويدعو مصعب الخير ، فيتقدم ويحمل اللواء ..
حين شبت المعركة .ودبت الفوضى والذعر في صفوف المسلمين ، أدرك مصعب بن عمير الخطر الغادر ، فرفع اللواء عاليا ، وأطلق تكبيرة كالزئير ، ومضى يجول ويتواثب .. وكل همه أن يلفت نظر الأعداء اليه ويشغلهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه ، وجرّد من ذاته جيشا بأسره .. أجل ، ذهب مصعب يقاتل وحده كأنه جيش لجب غزير ..
يد تحمل الراية في تقديس ..
ويد تضرب بالسيف في عنفوان ..
ولكن الأعداء يتكاثرون عليه ، يريدون أن يعبروا فوق جثته الى حيث يلقون الرسول الكريم ..

[ حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أُحد ، فتلقى ضربه على يده اليمنى فقطعت ، وهو يقول : "وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل " ..
فأخذ اللواء بيده اليسرى و حنا عليه ، فضربت يده اليسرى فقطعت ، فحنا على اللواء وضمّه بعضديه الى صدره وهو يقول : " وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل " ..
ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه وأندق الرمح ، و وقع مصعب ، و سقط اللواء .
وقع مصعب .. وسقط اللواء ..!!
وقع حلية الشهادة ، وكوكب الشهداء ..!!
وقع بعد أن خاض في استبسال عظيم معركة الفداء والايمان ..
كان يظن أنه اذا سقط ، فسيصبح طريق القتلة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاليا من المدافعين والحماة ..
ولكنه كان يعزي نفسه في رسول الله عليه الصلاة والسلام من فرط حبه له وخوفه عليه حين مضى يقول مع كل ضربة سيف تقتلع منه ذراعا :
" و ما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل "
هذه الآية التي سينزل الوحي فيما بعد يرددها ، و يكملها ، و يجعلها قرآنا يُتلى ..
**
وبعد انتهاء المعركة المريرة ، وُجد جثمان الشهيد راقدا ، وقد أخفى وجهه في تراب الأرض المضمخ بدمائه الزكية ..
لكأنما خاف أن يبصر وهو جثة هامدة رسول الله يصيبه السوء ، فأخفى وجهه حتى لا يرى هذا الذي يحاذره ويخشاه ..!!
أو لكأنه خجلان اذ سقط شهيدا قبل أن يطمئن على نجاة رسول الله ، وقبل أن يؤدي الى النهاية واجب حمايته والدفاع عنه ..!!
لك الله يا مصعب .. يا من ذكرك عطر الحياة ..!!
****
وجاء الرسول وأصحابه يتفقدون أرض المعركة ويودعون شهداءها ..
وعند جثمان مصعب ، سالت دموع وفيّة غزيرة ..
وعلى الرغم من الألم الحزين العميق الذي سببه رزء الرسول صلى الله عليه وسلم في عمه حمزة ، وتمثيل المشركين بجثمانه تمثيلا أفاض دموع الرسول عليه السلام ، وأوجع فؤاده ..
وعلى الرغم من امتلاء أرض المعركة بجثث أصحابه وأصدقائه الذين كان كل واحد منهم يمثل لديه عالما من الصدق والطهر والنور ..
على الرغم من كل هذا ، فقد وقف على جثمان أول سفرائه يودعه و ينعاه ..
أجل .. وقف الرسول صلى الله عليه وسلم عند مصعب بن عمير وقال وعيناه تلفانه بضيائهما وحنانهما و وفائهما :
( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه )
ثم ألقى في أسى نظرة على بردته التي دفن بها وقال : لقد رأيتك بمكة و ما بها أرق حلة ولا أحسن لمّة منك . " ثم هأنتذا شعث الرأس في بردة "..؟!
وهتف الرسول عليه الصلاة والسلام وقد وسعت نظراته الحانية أرض المعركة بكل من عليها من رفاق مصعب وقال :
" ان رسول الله يشهد أنكم الشهداء عند الله يوم القيامة ".

🌷 هذا أحد ابطال الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ..
وعلى رسولنا الكريم أفضل الصلاة وأزكى التسليم ..

  1. التدوينة التالية
  2. التدوينة السابقة
    blogger
    facebook
جارى التحميل ...

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك